خلال مشاركته في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف: الرئيس برهم صالح: علينا استلهام الدروس البليغة من سيرة النبي الأمين الذي أرسى دولة تقوم دعائمها على التسامح والتعايش
شارك رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح، اليوم الجمعة ٧ تشرين الأول ٢٠٢٢ في
الاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف والذي أقيم في مرقد أبي حنيفة النعمان في مدينة
الأعظمية ببغداد.
وألقى السيد الرئيس
كلمة بالمناسبة فيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
صدق الله العظيم
فضيلة الشيخ أحمد حسن الطه..
السادة العلماء والأئمة الأجِلاّء..
السيدات والسادة..الحضور الكرام..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
شرفٌ لي أن أكونَ بينكم اليوم، لِنحتفل
معاً بِذكرى المولد النبوّي الشريف، في هذا المقام الكريم جامِع الإمام الأعظم أبي
حنيفة النُّعمان (رضي الله عنه)، وفي بغدادَ عاصمة الحضارة الإسلامية.. بغداد الأصالةِ
وعَبقِ التأريخ والتراث الإنساني الفريد.. بغداد الطَيّبة التي لم تبخل بالمحبّةِ
لكلّ من طلبها.. ولابدّ أن تنهضَ مجدّداً وتُعزِّزَ دورَها الحضاري، وتَطويَ
الأزمات وتخرج منها إلى العالمِ أكثرَ اشراقاً.
ليست مُصادَفةً أن تتجاورَ الأعظمية
والكاظمية، فهُما تَوأَم بغداد لا يفترقانِ ولا ينفصلان.. وإنّ لهاتين المدينتين
المتحابّتين دوراً بارزاً في وأد الفتنة وترسيخ قيم المحبة والتآلف، وهما بحقٍ
رمزٌ للوحدة والتماسك بين العراقيين وسببٌ لتعزيز الأخوّةِ والمساواةِ والتسامح
بين أطياف شعبنا.
سيداتي سادتي..
في هذه المناسبة العظيمة، مولد النبي
المصطفى (صلواتُ الله وسلامُهُ عليه)، علينا أن نستحضر الدروس البليغة في التسامح
والتعايش.. لقد بنى الرسول الكريم (صلّى الله عليه وسلّم) دولة وأرسى دعائمها على
أُسسٍ إنسانيةٍ واستطاع بصدقِ عزيمتهِ دحض الظلم والجور والفساد وإقامةَ العدل،
مُنادياً بالحق والعدل والرحمة والجنوح إلى السلم، حيث يقول تعالى عزّ وَجلّ
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
إنّ المولد النبوي الشريف مناسبةٌ
لاستلهام القيم النبيلة والعِبَر البليغة من عطاء وسيرة النبي الأمين (صلّى الله
عليه وسلّم) في الانتصار للسلام والمحبّة والتآخي بين البشر، وما أحوَجَنا اليوم
للاقتداء بهذه السيرة وأن نتمثّل بأخلاق العدل والإنصاف والتسامح والنهي عن الفرقة
والتناحُر والبغضاء... ولتكن لنا في رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أُسوةٌ
حَسَنة.
القيم التي جاء بها الإسلام تنطلقُ من
أسُس التسامح والحوار والتلاقي والسلام بين الشعوب، حتى جعل الإسلامُ شعارَه في
التحية هو (السلام عليكم)... وأرسى قيَم التعايُش السلمي والاعتدال حيث يقولُ عزّ
وَجلّ في قرآنه الحكيم (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا.. إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
ذلك بيانٌ منه سبحانَه وتعالى يُذَكِّر
جميعَ الناسِ بأنهم من أصلٍ واحد، عليهم أن يُعَمِّروا الأرضَ وأن يتعارفوا
ويتعاوَنوا على البِرِّ والتقوى ويَنبُذوا الظلمَ والعدوانَ والتفرقة.
لقد خاب فألُ الجماعات الإرهابية التي
أرادت أن تكون وصيّة على الدين وأن تُبرِّر أعمالها بالدين الإسلامي الحنيف، وخابَ
فألُ من أراد إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف بالمسلمين.
العِصابات الإرهابية، استهدفت المسلمين
وغير المسلمين في أنحاء العالم، وأنّ ضحايا المسلمين في هذه الجرائم الوحشية أضعافُ
ما طال أبناءَ الدياناتِ الأخرى.
إن الجزء الأكبر من التضحيات الجِسام
لمواجهة الإرهاب كان من المسلمين، مؤَكِّدين على الطبيعة السمحاء للدين الإسلامي
ومبادئه الرافضة للظلم وقتل النفس البريئة، كما قال تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْسًا
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعًا).
السادة الحضور الأعِزّاء..
نحتفلُ بهذه الذكرى العطرة، وبلدنا
يعيش لحظة مِفصَليّة تضعهُ أمام مفترقِ طُرُق.. إمّا العودة إلى الوراء بنزاعات
داخلية واصطفافاتٍ تُشتِّتُ شملَنا، أو الانطلاق بإرادة موحّدة تَستَوعِب التحديات
الجسيمة وتُلَبّي استحقاقات مواطنينا.
فغياب الاستقرارِ الدائم يُنهك بلدَنا
وشعبَنا، ويفتَحُ الباب مُشرعاً أمام تدخلاتٍ خارجيةٍ جعلت البلد ميداناً ووقوداً
لصراعات الآخرين على أرضه بأموالِ العراقيين وأرواحهم.
لا جدالَ في الحاجة لتجاوز الأخطاء،
فلم يَعُد مقبولاً استمرارُ الوضع القائم حيث تواجِه منظومة الحكم أزمات خطيرة.
وباتَ صوت المواطن المُحتَجّ من البصرة وذي قار والأنبار وبغداد والموصل وكردستان
واضحاً ومسموعاً.
ولا مناص من الشروع في إصلاح مكامِن
الخلل البُنيَوي في منظومةِ الحكم، فتشكيل الحكومات بات يطولُ أكثر، وبنودٌ
دستوريةٌ تُعطَّل أكثر، وسوءٌ في أحوال المعيشة والخدمات أكثر، ولا يمكنُ
المراهنةُ على صبر العراقيين، فشعبنا غيرُ راضٍ عن هذا الوضع الراهن، وقطعا
العراقيون يستحقون أفضل بكثير مما هو فيه اليوم.
ولا يمكن إصلاحُ الوضع بالإصرار على
المسارات الخاطئة، وعلى الجميع، على الجميع، الركون إلى حوارٍ جادّ، يبحث تحسين
الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتوسيعَ المشاركة وتنظيمَ قواعد التنافس
السياسي. حوارٍ تشترِكُ فيه القوى الأساسية وينتهي إلى تشكيلِ حكومةٍ خادمةٍ
للعراقيين وحاميةٍ لسيادة الوطن وأمنه واستقلالهِ.
يجب وقف إهدار الفرصِ، وقد آن الأوان
لمصارحة صادقةٍ تضع البلد على المسار الصحيح.. حيث أن الحاجة لعقدٍ سياسي
واجتماعيّ جديدٍ يمنع تكرار المآسي والاستبداد والمقابر الجماعية والحروب العبثية
ويؤكد على الاستقرار والعدالة ويضمن السلم الأهلي ويعالج أخطاءَ الماضي وتجاربَه
باتَ ضرورة حتمية.
في هذه الأيام، سيمرُّ عامٌ كاملٌ على
إجراءِ الانتخابات من دونِ اِكمال استحقاقاتها الدستورية، وهو أمر غير مقبول
بالمرة.
ومن هنا ومن هذا المقام، ادعو مُخلصاً
جميع القوى السياسية إلى الحوار الجاد يكون أساسه وغايته مصلحة الوطن والمواطن
لإيجاد حلول للأزمة القائمة.. وذلك ليس بالمستحيل عبر تعاون وتكاتف الجميع وتحت
سقف الوطن، والانطلاق نحو تشكيل حكومة كاملة الصلاحية، لإقرار الموازنة المعُطّلة
وتمشيةِ أمور الناس وإدارة المرحلة المقبلة.
شعبُنا العزيز يستحقُ الكثير، وينتظرُ
بِنفاد الصبرٍ تشكيلَ حكومةٍ مُعبرة عن قراره الوطني المُستقل وإرادته في العيش
الكريم الحر، والمضيّ في طريقِ الإصلاح الحقيقي.
قطعاً، أن أُولى خُطُوات الإصلاح هي
مكافحةُ الفساد، هذه الآفة الخطيرة التي تُنَخِّر جسدَ الدولةِ وتهدّدُ كيانَها،
وتمنعُ شبابنا من فرصةٍ عادلةٍ ليُسهِموا في بناءِ وطنهم، فتداعياتُ الفسادِ لا
تقتصرُ على هَدرِ ثرواتِ البلدِ وحسب، بل تعملُ على تغذيةِ الانقساماتِ وتهديدِ
السلم المُجتمعي وتمنعُ الفرص الحقيقية لتقدم العراقيين.
سيداتي سادتي.. أخواني وأخواتي..
موقعُ بلدِنا الجغرافيُّ في قلب
المِنطَقة يجب أن نؤكد عليه جسراً للتواصل ومركزاً اقتصاديّاً وتجاريّاً وثقافيّاً
للتواصل والتعاون والوئام بين شعوب ودول المنطقة، لا أن يكونَ محوراً وساحة
صراعاتِ الآخرين.
ورغم شتّى التحديات والعقبات، انا واثق
بأن العراقيين بإصرارهم على المطالبةِ بوطنٍ له سيادةٌ كاملةٌ يعيشُ في أمنٍ مع
شعبهِ وأمن مع جيرانهِ، سيتمكنون من تحقيق هذا المطلب المشروع، وطنٌ يأخذُ مكانتهُ
الحضاريةَ في المِنطَقة والعالم.
الحضورُ الأكارِم..
فلنجعل من ذكرى مولد النبيّ المصطفى
(صلّى الله عليه وسلّم) مناسبةً لتوحيدِ الجهودِ من أجل الإصلاح وإعمارِ البلد
وتصحيحِ المساراتِ الخاطئة... فالعراقيون يستحقّون الأفضل ولن يقبَلوا بغير الحياة
الحرة الكريمة وتجاوزِ الإخفاقات.
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ..).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
Presedent